الاثنين، 20 ديسمبر 2021

علوم الحاسوب و النظريات الأساسية للمعلومات والحساب، والتقنيات العملية لتنفيذها وتطبيقها.



علم الحاسوب  من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
  
علم الحاسوب

صنف فرعي من
علوم شكلية
يمتهنه
عالم حاسوب، مدرس تكنولوجيا معلومات
فروع
علم الحاسوب النظري، نظرية الحوسبة، ذكاء اصطناعي، هندسة الحاسوب
الموضوع  حاسوب، حوسبة
 
 بسم الله الرحمن الرحيم
 تتعامل علوم الحاسوب مع النظريات الأساسية للمعلومات والحساب، والتقنيات العملية لتنفيذها وتطبيقها.
علم الحاسوب (بالإنجليزية: Computer science)‏ أو علوم الكمبيوتر أو الحوسبة هو دراسة العمليات التي تتفاعل مع البيانات والتي يمكن تمثيلها كبيانات في شكل برامج. يتيح استخدام الخوارزميات لمعالجة المعلومات الرقمية وتخزينها وإبلاغها. يدرس عالم الحاسوب نظرية الحوسبة وممارسة تصميم أنظمة البرمجيات.
يمكن تقسيم مجالاتها إلى التخصصات النظرية والعملية. نظرية التعقيد الحسابي هي مجردة للغاية، في حين أن رسومات الحاسوب تؤكد على التطبيقات الواقعية. تنظر نظرية لغة البرمجة في مناهج وصف العمليات الحسابية، بينما تتضمن برمجة الحاسوب نفسها استخدام لغات البرمجة والأنظمة المعقدة. يعتبر التفاعل بين الإنسان والحاسوب من أبرز التحديات في جعل أجهزة الحاسوب مفيدة وقابلة للاستخدام ويمكن الوصول إليها.
ويتم تعريف علم الحاسوب بشكل دقيق على أنه علم يختص بالقدرة على تطبيق المعرفة الناتجة من الحاسوب والرياضيات على جميع فروع المعرفة، والقدرة على تحليل أي مشكلة وتحديد المتطلبات لها باستخدام الحاسوب لوضع الحل المناسب، والقدرة على تصميم وتنفيذ وتقييم النظام القائم على الحاسوب والعمليات والبرنامج لتلبية الاحتياجات المطلوبة، ويسهل القدرة على العمل بفعالية في فرق ومجموعات لتحقيق هدف مشترك.
==================

نبذة تاريخية
  تاريخ علم الحاسوب
تاريخ الحوسبة
تشارلز بابيج يرجع له الفضل في اختراع أول آلة حاسوب.
 آدا لوفلايس يرجع لها الفضل في كتابة أول خوارزمية بهدف عمل معالجة على الحاسوب.

استخدم الجيش الألماني آلة إنجما خلال الحرب العالمية الثانية للاتصالات التي أرادوا إبقاؤها سرية. كان فك تشفير حركة آلة الإنجما على نطاق واسع عاملاً مهمًا ساهم في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
قبل العشرينات من القرن العشرين، كان مصطلح حاسوب يشير إلى أي أداة بشرية تقوم بعملية الحسابات. ما هي القضايا أو الأشياء التي يمكن لآلة أن تحسبها باتباع قائمة من التعليمات مع ورقة وقلم، دون تحديد للزمن اللازم ودون أي مهارات أو بصيرة (ذكاء)؟ وكان أحد دوافع هذه الدراسات هو تطوير آلات حاسبة حاسوب يمكنها إتمام الأعمال الروتينية المُعرّضة للخطأ البشري عند إجراء حسابات بشرية.
خلال الأربعينات ومع تطوير آلات حاسبة أكثر قوة وقدرة حسابية تتطور مصطلح حاسوب ليُشير إلى الآلات بدلا من الأشخاص الذين يقومون بالحسابات. وأصبح من الواضح أن الحواسيب يمكنها أن تقوم بأكثر من مجرد عمليات حسابية وبالتالي تم الانتقال إلى دراسة الحوسبة بشكل عام. بدأت المعلوماتية وعلوم الحاسب تأخذ استقلالها كفرع أكاديمي مستقل في الستينييات، مع إيجاد أوائل أقسام علوم الحاسب في الجامعات وبدأت الجامعات تمنح إجازات في هذه العلوم.
يعود تاريخ أقرب تعريف لعلوم الحاسوب إلى ما قبل أول آلة حاسوب رقمي، لحساب المهام العددية الثابتة مثل المعداد الذي كان موجود منذ العصور القديمة للمساعدة في العمليات الحسابية مثل الضرب والقسمة وبعد ذلك وجدت الخوارزميات لأداء العمليات الحسابية في العصور القديمة وحتى قبل تطوير المعدات الحاسوبية المعقدة، في اللغة السنسكريتية القديمة مخطوطة تسمى "Shulba Sutras" أو قواعد الوتر "Rules of the Chord" وهو كتاب في الخوارزميات مكتوب في سنة 800 قبل الميلاد لبناء الأجسام الهندسية مثل المذابح باستخدام الأوتاد والأوتار وتعتبر بدايات (أسلاف) مجال هندسة الرياضية الحسابية الحديثة.
بليز باسكال صمم وشيد أول آلة حاسبة ميكانيكية العمل، والتي يطلق عليها آلة باسكال الحاسبة سنة (1642).ثم كشف غوتفريد لايبنتس آلة حاسبة ميكانيكية الرقمية تسمى حاسوب متدرج (الحاسوب التدريجي) في سنة (1673)،
ويمكن أن يقال أنه يعتبر أول عالم حاسوب، واضع النظريات للمعلومات، ومن بين أسباب أخرى لهذا الترشيح، توثيقه لنظم الأرقام الثنائية.
في عام 1820، أطلق تشارلز توماس "Charles Xavier Thomas أو Thomas de Colmar" صناعة آلة حاسبة ميكانيكية،
عندما صدر له جهاز مبسط يسمى أريثموميتر وكان أول آلة حاسبة قوية بما فيه الكفاية وموثوق بها بما يكفي للاستخدام اليومي في بيئة مكتبية.
تشارلز بابيج بدأ تصميم أول آلة حاسبة ميكانيكية أوتوماتيكية تسمى محرك الفرق في عام 1822، والذي أعطى في نهاية المطاف له فكرة عمل أول آلة حاسبة ميكانيكية للبرمجة وتسمى المحرك التحليلي. بدأ تطوير هذا الجهاز في عام 1834 وفي أقل من عامين كان قد رسم العديد من السمات البارزة للحاسوب الحديث. كان اعتماد نظام البطاقة المثقبة المشتقة من منسج جاكارد هي خطوة حاسمة، مما يجعلها ذات برمجة بلا حدود. في عام 1843، أثناء ترجمة مقال فرنسية عن المحرك التحليلي، كتبت آدا لوفلايس في واحدة من العديد من الملاحظات أنها شملت، خوارزمية لحساب أعداد برنولي، والذي يعتبر أول برنامج حاسوب.
في حوالي سنة 1885، اخترع هيرمان هولليريث آلة التبويب للاستخدام في تلخيص المعلومات وكانت تستخدم بطاقة مثقبة لمعالجة المعلومات الإحصائية في نهاية المطاف أصبحت هذه الشركة جزء من آي بي إم اليوم.
في عام 1937، وبعد مئة سنة من حلم باباج المستحيل أقنع هوارد أيكن شركة آي بي إم بتطوير آلته الحاسبة العملاقة للبرمجة، في ذلك الوقت كانت آي بي إم تصنع كل أنواع معدات البطاقات المثقبة وكانت أيضا تقوم بأعمال الآلات الحاسبة. وتم إطلاق اسم هارفارد مارك واحد عليها وكانت بناء على المحرك التحليلي الخاص بتشارلز بابيج، وكانت تستخدم الكروت المثقوبة ووحدة الحوسبة المركزية، وعندما تمت الآلة النهائية أشاد البعض بأن " حلم باباج تحقق".خلال الأربعينيات من القرن الماضي ومع تطور آلات حاسوب أقوى، وبدى واضحا أن الحاسوب يمكن أن يستخدم في أكثر من الحسابات الرياضية فقط، مجال علوم الحاسب توسع ليشمل الحوسبة بشكل عام، تم وضع إنشاء علوم الحاسب كعلم أكاديمي مستقل في الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي.
فروعكعلم، يمتد علوم الحاسوب إلى مجموعة من الموضوعات من الدراسات النظرية للخوارزميات وحدود الحساب إلى المسائل العملية لتنفيذ أنظمة الحوسبة في الأجهزة والبرامج. تحدد CSAB، التي كانت تُسمى سابقًا مجلس اعتماد علوم الحوسبة -والذي يتكون من ممثلين عن جمعية آلات الحوسبة (ACM)، وجمعية IEEE للكمبيوتر (IEEE CS)- أربعة مجالات تعتبرها حاسمة في مجال علوم الحاسوب: نظرية الحوسبة والخوارزميات وهياكل البيانات ومنهجية البرمجة واللغات وعناصر الحاسوب وبنى البيانات. بالإضافة إلى هذه المجالات الأربعة، يحدد CSAB أيضًا مجالات مثل هندسة البرمجيات والذكاء الاصطناعي وشبكات الحاسوب والاتصالات وأنظمة قواعد البيانات والحساب المتوازي والحساب الموزع والتفاعل بين الإنسان والحاسوب ورسوميات الحاسوب وأنظمة التشغيل والحساب الرقمي والرمزي مثل كونها مجالات مهمة في علوم الحاسوب.
علوم الحاسوب النظرية
علوم الحاسوب النظرية هي رياضيات وتجريدية في الروح، ولكنها تستمد دوافعها من الحساب العملي واليومي. الهدف منه هو فهم طبيعة الحساب، ونتيجة لهذا الفهم، توفير منهجيات أكثر كفاءة. يمكن اعتبار جميع الدراسات المتعلقة بالمفاهيم والطرق الرياضية والمنطقية والرسمية بمثابة علوم الحاسوب النظرية، شريطة أن يكون الدافع مستمدًا بوضوح من مجال الحوسبة.
هياكل البيانات والخوارزميات
هياكل البيانات والخوارزميات هي دراسة الطرق الحسابية الشائعة الاستخدام وكفاءتها الحسابية.
O(n2)
 
 تحليل الخوارزميات الخوارزميات بنية البيانات استمثال توافقي هندسة رياضية حاسوبية
نظرية الحساب
وفقًا لبيتر دينينج، فإن السؤال الأساسي الذي يكمن وراء علوم الحاسوب هو "ما الذي يمكن أن يكون آلياً (بكفاءة)؟" تركز نظرية الحوسبة على الإجابة على الأسئلة الأساسية حول ما يمكن حسابه وما مقدار الموارد اللازمة لأداء تلك الحسابات. في محاولة للإجابة على السؤال الأول، تدرس نظرية الحوسبة المشكلات الحسابية التي يمكن حلها في النماذج النظرية المختلفة للحساب. يتم تناول السؤال الثاني من خلال نظرية التعقيد الحسابي، والتي تدرس تكاليف الوقت والمكان المرتبطة بمناهج مختلفة لحل العديد من المشكلات الحسابية.
فمسألة "P = NP" الشهيرة، واحدة من مسائل جائزة الألفية،
هي مسألة مفتوحة في نظرية الحساب.
P = NP؟
نظرية التشغيل الذاتي نظرية الحاسوبية نظرية التعقيد الحسابي علم التعمية نظرية الحساب الكمومي
نظرية المعلومات والترميزترتبط نظرية المعلومات بكمية المعلومات. تم تطوير هذا بواسطة كلود شانون لإيجاد حدود أساسية لعمليات معالجة الإشارات مثل ضغط البيانات وتخزين البيانات ونقلها بشكل موثوق.
نظرية الترميز هي دراسة خصائص الأكواد (أنظمة لتحويل المعلومات من نموذج إلى آخر) وملاءمتها لتطبيق معين. تُستخدم الرموز لضغط البيانات، والتشفير، واكتشاف الأخطاء وتصحيحها، وكذلك في الآونة الأخيرة أيضًا لترميز الشبكة. تتم دراسة الرموز لغرض تصميم طرق فعالة وموثوقة لنقل البيانات.
نظرية لغة البرمجة
نظرية لغات البرمجة هي فرع من فروع علوم الحاسوب التي تتعامل مع تصميم لغات البرمجة وميزاتها الفردية وتنفيذها وتحليلها وتوصيفها وتصنيفها. يقع ضمن مجال علوم الحاسوب، اعتمادًا على الرياضيات وهندسة البرمجيات واللغويات والتأثير عليها. إنه مجال بحث نشط، مع العديد من المجلات الأكاديمية المخصصة.
Γ ⊢ x : Int {\displaystyle \Gamma \vdash x:{\text{Int}}}
 
 نظرية النمط محول برمجي لغة برمجة
أنظمة الحاسوبهندسة الحاسوب، أو تنظيم الحاسوب الرقمي، هو التصميم المفاهيمي والهيكل التشغيلي الأساسي لنظام الحاسوب. إنه يركز إلى حد كبير على الطريقة التي تعمل بها وحدة المعالجة المركزية داخليًا والوصول إلى العناوين في الذاكرة.
يتضمن الحقل غالبًا تخصصات في هندسة الحاسوب والهندسة الكهربائية واختيار مكونات الأجهزة وربطها لإنشاء أجهزة حاسوب تلبي أهدافًا وظيفية وأدائية وأقل تكلفة.
هندسة الحاسوبهندسة الحاسوب، أو تنظيم الحاسوب الرقمي، هو التصميم المفاهيمي والهيكل التشغيلي الأساسي لنظام الحاسوب. إنه يركز إلى حد كبير على الطريقة التي تعمل بها وحدة المعالجة المركزية داخليًا والوصول إلى العناوين في الذاكرة.
يتضمن الحقل غالبًا تخصصات في هندسة الحاسوب والهندسة الكهربائية واختيار مكونات الأجهزة وربطها لإنشاء أجهزة حاسوب تلبي أهدافًا وظيفية وأداءية وتكلفة.

جبر بولياني البنية الدقيقة معالجة متعددة

حوسبة سائدة هندسة الأنظمة نظام تشغيل
تحليل أداء الحاسوبتحليل أداء الحاسوب هو دراسة العمل المتدفق عبر أجهزة الحاسوب مع الأهداف العامة لتحسين الإنتاجية، والتحكم في وقت الاستجابة، واستخدام الموارد بكفاءة، والقضاء على الاختناقات، والتنبؤ بالأداء في ظل ذروة الأحمال المتوقعة.
توفر المقاييس طريقة لمقارنة أداء الأنظمة الفرعية المختلفة عبر أبنية شرائح أنظمة مختلفة.
شبكات الحاسوب
يهدف هذا الفرع من علوم الحاسوب إلى إدارة الشبكات بين أجهزة الحاسوب في جميع أنحاء العالم.
أمن الحاسوب والتشفير
أمن الحاسوب هو فرع من فروع تكنولوجيا الحاسوب بهدف حماية المعلومات من الوصول غير المصرح به أو تعطيله أو تعديله مع الحفاظ على إمكانية الوصول إلى النظام وسهولة استخدامه للمستخدمين المقصودين منه. التشفير هو ممارسة ودراسة إخفاء البيانات وبالتالي فك تشفير المعلومات. يرتبط التشفير الحديث إلى حد كبير بعلوم الحاسوب، لأن العديد من خوارزميات التشفير وفك التشفير تعتمد على تعقيدها الحسابي.
قواعد البيانات
تهدف قاعدة البيانات إلى تنظيم وتخزين واسترجاع كميات كبيرة من البيانات بسهولة. تتم إدارة قواعد البيانات الرقمية باستخدام أنظمة إدارة قواعد البيانات لتخزين البيانات وإنشاءها وصيانتها والبحث فيها، من خلال نماذج قواعد البيانات ولغات الاستعلام.
تطبيقات الحاسوب
رسوميات الحاسوب
رسوميات الحاسوب هي دراسة المحتويات المرئية الرقمية وتتضمن تركيب ومعالجة بيانات الصورة. ترتبط الدراسة بالعديد من المجالات الأخرى في علوم الحاسوب، بما في ذلك رؤية الحاسوب، ومعالجة الصور، والهندسة الحاسوبية، ويتم تطبيقها بشدة في مجالات المؤثرات الخاصة وألعاب الفيديو.
التفاعل بين الإنسان والحاسوب
الأبحاث التي تقوم بتطوير نظريات ومبادئ وإرشادات لمصممي واجهة المستخدم، بحيث يمكنهم إنشاء تجارب مرضية للمستخدم مع أجهزة سطح المكتب والحاسوب المحمول والأجهزة المحمولة.
الحوسبة العلمية
الحوسبة العلمية (أو العلوم الحاسوبية) هي مجال الدراسة المعني ببناء النماذج الرياضية وتقنيات التحليل الكمي واستخدام أجهزة الحاسوب لتحليل وحل المشكلات العلمية. في الاستخدام العملي، عادة ما يكون تطبيق محاكاة الحاسوب وأشكال الحساب الأخرى للمشاكل في مختلف التخصصات العلمية.

تحليل عددي فيزياء حاسوبية كيمياء حاسوبية معلوماتية حيوية
الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي هو عملية تجميع العمليات الموجهة نحو الهدف مثل حل المشكلات، وصنع القرار، والتكيف البيئي، والتعلم، والاتصالات الموجودة في البشر والحيوانات. منذ نشأته في علم التحكم الآلي وفي مؤتمر دارتموث (1956)، كانت أبحاث الذكاء الاصطناعي بالضرورة متعددة التخصصات، معتمدة على مجالات الخبرة مثل الرياضيات التطبيقية والمنطق الرمزي والهندسة الكهربائية وفلسفة العقل والفيسيولوجيا العصبية والاجتماعية. يرتبط الذكاء الاصطناعي في العقل الشعبي بالتطوير الآلي، ولكن المجال الرئيسي للتطبيق العملي كان مكونًا لا يتجزأ في مجالات تطوير البرمجيات، والتي تتطلب فهمًا حسابيًا. كانت نقطة الانطلاق في أواخر الأربعينيات هي سؤال آلان تورنغ "هل تستطيع أجهزة الحاسوب التفكير؟"، ويبقى السؤال بلا إجابة فعلية، على الرغم من أن اختبار تورنغ لا يزال يستخدم لتقييم مخرجات الحاسوب على مقياس الذكاء البشري. لكن أتمتة المهام التقييمية والتنبؤية كانت ناجحة بشكل متزايد كبديل للمراقبة البشرية والتدخل في مجالات تطبيق الحاسوب التي تنطوي على بيانات واقعية معقدة.

تعلم الآلة رؤية حاسوبية معالجة الصور الرقمية

تمييز الأنماط تنقيب في البيانات الحوسبة التطورية

تمثيل المعرفة معالجة اللغات الطبيعية روبوتية
هندسة البرمجيات
هندسة البرمجيات هي دراسة تصميم وتنفيذ وتعديل البرامج لضمان جودة عالية وبأسعار معقولة وقابلة للصيانة وسريعة البناء. إنها طريقة منهجية لتصميم البرمجيات، تنطوي على تطبيق الممارسات الهندسية على البرمجيات. تتعامل هندسة البرمجيات مع تنظيم البرامج وتحليلها، فهي لا تتعامل فقط مع إنشاء أو تصنيع برامج جديدة، ولكن تتعلق بالصيانة والترتيب الداخليين.
التعليم
 مقالة مفصلة: تعليم علوم الحاسوب
يدرس طلاب علم الحاسوب العديد من مجالات الرياضيات مثل حساب التفاضل والتكامل، الجبر الخطي، والمعادلات التفاضلية. علم الرياضيات أساسي جدا في كتابة البرامج وفي لغات البرمجة. 
 
 النظريات والتطبيقات الرياضية التي يدرسها الطلاب مهمة في فهم طريقة معالجة الحاسوب للمعلومات. بالإضافة إلى ذلك، يدرس الطلاب العديد من لغات البرمجة مثل java وPython. يدرس أيضا الطلاب القليل من الدارات الإلكترونية وطريقة عملها. يدرس الطلاب الخوارزميات خلال السنة الثالثة والرابعة. مشروع التخرج مهم للغاية في نهاية السنة الأخيرة.
تحديات التعليمفي العديد من البلدان، هناك فجوة كبيرة بين الجنسين في تعليم علوم الحاسوب. في عام 2012، تم منح 20% فقط من شهادات علوم الحاسوب في الولايات المتحدة للنساء. الفجوة بين الجنسين هي أيضا مشكلة في البلدان الغربية الأخرى. الفجوة أصغر أو غير موجودة في بعض أنحاء العالم. في عام 2011، حصلت النساء على نصف شهادات علوم الحاسوب في ماليزيا. في عام 2001، كان 55% من خريجي علوم الحاسوب في غيانا من النساء.
انظر أيضاً
برمجيات
هندسة البرمجيات
نظم التشغيل
عتاد الحاسوب
الوسائط المتعددة
نظرية الألعاب
علم المحاكاة
خوارزميات وراثية
رخص إلكترونية
وحدات تخزين المعلومات
برمجيات النظام
إلمام بالحاسوب
معلوماتية حيوية
معلوماتية طبية
معلوماتية كيميائية
معلوماتية صحية
معلوماتية عصبية
العودية اليسرى
تقنية المعلومات
قائمة الرواد في علم الحاسوب
مسائل غير محلولة في علم الحاسوب
المراجع 

Clay Mathematics Institute P = NP نسخة محفوظة October 14, 2013, على موقع واي باك مشين.
"what [sic!] gender is science" (PDF). مؤرشف من الأصل (PDF) في 30 أبريل 2019. اطلع عليه بتاريخ 20 يوليو 2015. ملاحظات
"كان إدخال البطاقات المثقبة في المحرك الجديد أمرًا مهمًا ليس فقط كطريقة تحكم أكثر ملاءمة من البراميل، أو لأن البرامج يمكن أن تكون الآن غير محدودة المدى، ويمكن تخزينها وتكرارها دون التعرض لخطر إدخال أخطاء في ضبط الجهاز باليد؛ كان من المهم أيضًا لأنه ساعد في تبلور شعور تشارلز بابيج بأنه اخترع شيئًا جديدًا حقًا، أكثر من مجرد آلة حاسبة متطورة." Bruce Collier،‏ 1970
محتويات 
1 نبذة تاريخية
2 فروع
2.1 علوم الحاسوب النظرية
2.1.1 هياكل البيانات والخوارزميات
2.1.2 نظرية الحساب
2.1.3 نظرية المعلومات والترميز
2.1.4 نظرية لغة البرمجة
2.2 أنظمة الحاسوب
2.2.1 هندسة الحاسوب
2.2.2 تحليل أداء الحاسوب
2.2.3 شبكات الحاسوب
2.2.4 أمن الحاسوب والتشفير
2.2.5 قواعد البيانات
2.3 تطبيقات الحاسوب
2.3.1 رسوميات الحاسوب
2.3.2 التفاعل بين الإنسان والحاسوب
2.3.3 الحوسبة العلمية
2.3.4 الذكاء الاصطناعي
2.4 هندسة البرمجيات
3 التعليم
3.1 تحديات التعليم
4 انظر أيضاً
5 المراجع
6 وصلات خارجية
 

كليلة ودمنة/باب مقدمة الكتاب

كليلة ودمنة/باب مقدمة الكتاب

 



باب مقدمة الكتاب

قدمها بهنود بن سحوان ويعرف بعلي بن الشاه الفارسي. ذكر فيها السبب الذي من أجله عمل بيدبا الفيلسوف الهندي رأس البراهمة لدبشليم ملك الهند كتابه الذي سماه كليلة ودمنة؛ وجعله على ألسن البهائم والطير صيانةً لغرضه فيه من العوام، وضنا بما ضمنه عن الطغام؛ وتنزيهاً للحكمة وفنونها، ومحاسنها وعيونها؛ إذ هي للفيلسوف مندوحة، ولخاطره مفتوحة؛ ولمحبيها تثقيف ، ولطالبيها تشريف. وذكر السبب الذي من أجله أنفذ كسرى أنوشروان بن قباذ بن فيروز ملك الفرص بروزيه رأس الأطباء إلى بلاد الهند كتاب كليلة ودمنة؛ وما كان من تلطف بروزيه عند دخوله إلى الهند؛ حتى حضر إليه الرجل الذي استنسخه له سراً من خزانة الملك ليلاً، مع ما وجد من كتب علماء الهند. وقد ذكر الذي كان من بعثه بروزيه إلى مملكة الهند لأجل نقل هذا الكتاب؛ وذكر فيها ما يلزم مطالعه من إتقان قراءته والقيام بدراسته والنظر إلى باطن كلامه؛ وأنه إن لم يكن كذلك لك يحصل على الغاية منه. وذكر فيها حضور بروزيه قراءة الكتاب جهراً. وقد ذكر السبب الذي من اجله وضع بزرجمهر باباً مفرداً يسمى باب بروزيه التطبب، وذكر فيه شأن بروزيه من أول أمره وآن مولده إلى أن بلغ التأديب، وأحب الحكمة واعتبر في أقسامها. وجعله قبل باب الأسد والثور الذي هو أول الكتاب. قال علي بن الشاه الفارسي: كان السبب الذي من أجله وضع بيدبا الفيلسوف لدبشليم ملك الهند كتاب كليلة ودمنة، أن الإسكندر ذا القرنين الرومي لما فرغ من أمر الملوك الذين كانوا بناحية المغرب، سار يريد ملوك الشرق من الفرس وغيرهم؛ فلم يزل يحارب من نازعه ويواقع من واقعه، ويسالم من وادعه من ملوك الفرس، وهم الطبقة الأولى، حتى ظهر عليهم وقهر من ناوأه وتغلب على من حاربه؛ فتفرقوا طرائق وتمزقوا حزائق ، فتوجه بالجنود نحو بلاد الصين؛ فبدأ في طريقه بملك الهند ليدعوه إلى طاعته والدخول في ملته وولايته. وكان على الهند في ذلك الزمان ملك ذو سطوة وبأس وقوة ومراس، يقال له فورٌ. فلما بلغه إقبال ذي القرنين نحوه تأهب لمحاربته، واستعد لمجاذبته؛ وشم إليه أطرافه، وجد في التألب عليه؛ وجمع له العدة في أسرع مدة من الفيلة المعدة للحروب، والسباع المضراة بالوثوب؛ مع الخيول المسرجة والسيوف القواطع، والحراب اللوامع. فلما قرب ذو القرنين من فور الهندي وبلغه ما أعد له من الخيل التي كأنها قطع الليل مما لم يلقه بمثله أحد من الملوك الذين كانوا في الأقاليم، تخوف ذو القرنين من تقصير يقع به إن عجل المبارزة. وكان ذو القرنين رجلاً ذا حيل ومكايد، مع حسن تدبير وتجربة، فرأى إعمال الحيلة والتمهل، واحتفر خندقاً على عسكره؛ وأقام بمكانه لاستنباط الحيلة والتدبير لأمره؛ وكيف ينبغي له أي يقدم على الإيقاع به، فاستدعى بالمنجمين، وأمرهم بالاختيار ليوم موافق تكون له فيه سعادة لمحاربة ملك الهند والنصرة عليه. فاشتغلوا بذلك. وكان ذو القرنين لا يمر بمدينة إلا أخذ الصناع المشهورين من صناعها بالحذق من كل صنف. فأنتجت له همته ودلته فطنته أن يتقدم إلى الصناع الذين معه في أن يصنعوا خيلاً من نحاس مجوفة، عليها تماثيل من الرجال، على بكرٍ تجري، إذا دفعت مرت سراعاً. وأمر إذا فرغوا منها أن تحشى أجوافها بالنفط والكبريت؛ وتلبس وتقدم أمام الصف في القلب. ووقت ما يلتقي الجمعان تضرم فيها النيران. فإن الفيلة إذا لفت خراطيمها على الفرسان وهي حامية، ولت هاربة، وأوعز إلى الصناع بالتشمير والانكماش والفراغ منها. فجدوا في ذلك وعجلوا. وقرب أيضاً وقت اختيار المنجمين. فأعاد ذو القرنين رسله إلى فور يدعوه إليه من طاعته والإذعان لدولته. فأجاب جواب مصر على مصرٍ على مخالفته، مقيمٍ على محاربته. فلما رأى ذو القرنين عزيمته سار إليه بأهبته؛ وقدم فور الفيلة أمامه، ودفعت الرجال تلك الخيل وتماثيل الفرسان؛ فأقبلت الفيلة نحوها، ولفت خراطيمها عليها. فلما أحست بالحرارة ألقت من كان عليها، وداستهم تحت أرجلها، ومضت مهزومة هاربة، لا تلوي على شيءٍ ولا تمر بأحدٍ إلا وطئته. وتقطع فورٍ وجمعه، وتبعهم أصحاب الإسكندر؛ وأثخنوا فيهم الجراح.

وصاح الإسكندر: يا ملك الهند أبرز إلينا، وأبق على عدتك وعيالك، ولا تحملهم على الفناء. فإنه ليس من المروءة أي يرمي الملك بعدته في المهالك المتلفة والمواضع المجحفة، بل يقيهم بماله ويدافع عنهم بنفسه. فأبرز إلى ودع الجند، فأينا قهر صاحبه فهو الأسعد. فلما سمع فور من ذي القرنين ذلك الكلام دعته نفسه لملاقاته طمعاً فيه؛ وظن ذلك فرصةً. فبرز إليه الإسكندر فتجاولا على ظهري فرسيهما ساعات من النهار ليس يلقى أحدهما من صاحبه فرصةً؛ ولم يزالا يتعاركان. فلما أعيا الإسكندر أمره ولم يجد له فرصةً ولا حيلة أوقع ذو القرنين في عسكره صيحة عظيمة ارتجت لها الأرض والعساكر؛ فالتفت فورٌ عندما سمع الزعقة، وظنها مكيدة في عسكره؛ فعاجله ذو القرنين بضربة أمالته عن سرجه، وتبعه بأخرى؛ فوقع على الأرض. فلما رأت الهند ما نزل بهم، وما صار إليه ملكهم؛ حملوا على الإسكندر فقاتلوه قتالاً أحبوا معه الموت. فوعدهم من نفسه الإحسان، ومنحه الله أكتافهم؛ فاستولى على بلادهم، وملك عليه رجلاً من ثقاته. وأقام بالهند حتى استوثق مما أراد من أمرهم واتفاق كلمتهم؛ ثم انصرف عن الهند وخلف ذلك الرجل عليهم. مضى متوجهاً نحو ما قصد له. فلما بعد ذو القرنين عن الهند بجيوشه، تغيرت الهند عما كانوا عليه من طاعة الرجل الذي خلفه عليهم؛ وقالوا ليس يصلح للسياسة ولا ترضى الخاصة والعامة أن يملكوا عليهم رجلاً ليس هو منهم ولا من أهل بيوتهم. فإنه لا يزال يستذلهم ويستقلهم. واجتمعوا يملكون عليهم رجلاً من أولاد ملوكهم؛ فملكوا عليهم ملكاً يقال له دبشليم؛ وخلعوا الرجل الذي كان خلفه عليهم الإسكندر. فلما استوسق له الأمر، واستقر له الملك. وكان مع ذلك مؤيداً مظفراً منصوراً. فهابته الرعية. فلما رأى ما هو عليه من الملك والسطوة، عبث بالرعية واستصغر أمرهم وأساء السيرة فيهم. وكان لا ترتقي حاله إلا ازداد عتواً. فمكث على ذلك برهة من دهره. وكان في زمانه رحل فيلسوف من البراهمة، فاضلٌ حكيمٌ، يعرف بفضله، ويرجع في الأمور إلى قوله، يقال له بيدبا. فلما رأى الملك وما هو عليه من الظلم للرعية، فكر في وجه الحيلة في صرفه عما هو عليه، ورده إلى العدل والإنصاف؛ فجمع لذلك تلاميذه، وقال: أتعلمون ما أريد أن أشاوركم فيه؟ اعلموا إني أطلت الفكرة في دبشليم وما هو عليه من الخروج عن العدل ولزوم الشر ورداءة السيرة وسوء العشرة مع الرعية؛ ونحن ما نروض أنفسنا لمثل هذه الأمور إذا ظهرت من الملوك، غلا لنردهم إلى فعل الخير ولزوم العدل.

ومتى أغفلنا ذلك وأهملناه لزم وقوع المكروه بنا، وبلوغ المحذورات إلينا؛ غذ كنا في أنفس الجهال أجهل منهم؛ وفي العيون عندهم أقل منهم. وليس الرأي عندي الجلاء عن الوطن. ولا يسعنا في حكمتنا إبقاؤه على ما هو عليه من سوء السيرة وقبح الطريقة. ولا يمكننا مجاهدته بغير ألسنتنا. ولو ذهبنا إلى أن نستعين بغيرنا لم تتهيأ لنا معاندته. وإن أحس منا بمحالفته وإنكارنا سوء سيرته كان في ذلك بوارنا. وقد تعلمون أن مجاورة السبع والكلب والحية والثور على طيب الوطن ونضارة العيش لغدرٍ بالنفس. وإن الفيلسوف لحقيقٌ أن تكون همته مصروفة إلى ما يحصن به نفسه من نوازل المكروه ولواحق المحذور؛ ويدفع المخوف لاستجلاب المحبوب. ولقد كنت أسمع أن فيلسوفاً كتب لتلميذه يقول: إن مجاور رجال السوء ومصاحبهم كراكب البحر: إن سلم من الغرق لم يسلم من المخاوف. فإذا هو أورد نفسه موارد المهلكات ومصادر المخوفات، عد من الحمير التي لا نفس لها. لأن الحيوان البهيمية قد خصت في طبائعها بمعرفة ما تكتسب به النفع وتتوقى المكروه: وذلك أننا لم نرها تورد أنفسها مورداً فيه هلكتها. وأنها متى أشرفت على مورد مهلك لها، مالت بطبائعها التي ركبت فيها - شحاً بأنفسها وصيانةً لها - إلى النفور والتباعد عنه، وقد جمعتكم لهذا الأمر: لأنكم أسرتي ومكان سري وموضع معرفتي؛ وبكم أعتضد، وعليكم أعتمد. فإن الوحيد في نفسه والمنفرد برأيه حيث كان فهو ضائع ولا ناصر له. على أن العاقل قد يبلغ بحيلته ما لا يبلغ بالخيل والجنود. والمثل في ذلك أن قنبرةً اتخذت أدخيةً وباضت فيها على طريق الفيل؛ وكان للفيل مشرب يتردد إليه. فمر ذات يوم على عادته ليرد مورده فوطئ عش القنبرة؛ وهشم بيضها وقتل فراخها. فلما نظرت ما ساءها، علمت أن الذي نالها من الفيل لا من غيره. فطارت فوقعت على رأسه باكيةً؛ ثم قالت: أيها الملك لم هشمت بيضي وقتلت فراخي، وأنا في جوارك؟ أفعلت هذا استصغاراً منك لأمري واحتقاراً لشأني. قال: هو الذي حملني على ذلك. فتركته وانصرفت إلى جماعة الطير؛ فشكت إليها ما نالها من الفيل. فقلن لها وما عسى أن نبلغ منه ونحن الطيور؟ فقالت للعقاعق والغربان: أحب منكن أن تصرن معي إليه فتفقأن عينيه؛ فإني أحتال له بعد ذلك حيلةً أخرى. فأجبنها إلى ذلك، وذهبن إلى الفيل، ولم يزلن ينقرن عينيه حتى ذهبن بهما. وبقي لا يهتدي إلى طريق مطعمه ومشربه إلا ما يلقمه من موضعه. فلما علمت ذلك منه، جاءت إلى غدير فيه ضفادع كثير، فشكت إليها ما نالها من الفيل. قالت الضفادع: ما حيلتنا نحن في عظم الفيل؟ وأين نبلغ منه. قالت: احب منكن أن تصرن معي إلى وهدةٍ قريبةٍ منه، فتنققن فيها، وتضججن. فإنه إذا سمع أصواتكن لم يشك في الماء فيهوي فيها. فأجبنها إلى ذلك؛ واجتمعن في الهاوية، فسمع الفيل نقيق الضفادع، وقد اجهده العطش، فأقبل حتى وقع في الوهدة، فارتطم فيها. وجاءت القنبرة ترفرف على رأسه؛ وقالت: أيها الطاغي المغتر بقوته المحتقر لأمري، كيف رأيت عظم حيلتي مع صغر جثتي عند عظم جثتك وصغر همتك؟ فليشر كل واحد منكم بما يسنح له من الرأي. قالوا بأجمعهم: أيها الفيلسوف الفاضل، والحكيم العادل، أنت المقدم فينا، والفاضل علينا، وما عسى أن يكون مبلغ رأينا عند رأيك، وفهمنا عند فهمك؟ غير أننا نعلم أن السباحة في الماء مع التماسيح تغريرٌ؛ والذنب فيه لمن دخل عليه في موضعه. والذي يستخرج السم من ناب الحية فيبتلعه ليجربه جانٍ على نفسه، فليس الذنب للحية. ومن دخل على الأسد في غابته لم يأمن من وثبته. وهذا الملك لم تفزعه النوائب، ولم تؤدبه التجارب. ولسنا نأمن عليك ولا على أنفسنا سطوته وإنا نخاف عليك من سورته ومبادرته بسوءٍ إذا لقيته بغير ما يحب. فقال الحكيم بيدبا: لعمري لقد قلتم فأحسنتم، لكن ذا الرأي الحازم لا يدع أن يشاور من هو دونه أو فوقه في المنزلة. والرأي الفرد لا يكتفي به في الخاصة ولا ينتفع به في العامة. وقد صحت عزيمتي على لقاء دبشليم. وقد سمعت مقالتكم؛ وتبين لي نصيحتكم والإشفاق علي وعليكم. غير أني قد رأيت رأياً وعزمت عزماً؛ وستعرفون حديثي عند الملك ومجاوبتي إياه فإذا اتصل بكم خروجي من عنده فاجتمعوا إلي. وصرفهم يدعون له بالسلامة.

ثم إن بيدبا اختار يوماً للدخول على الملك؛ حتى إذا كان ذلك الوقت ألقى عليه مسوحة وهي لباس البراهمة؛ وقصد باب الملك، وسأل عن صاحب إذنه وأرشد إليه وسلم عليه؛ وأعلمه قال لي: إني رجل قصدت الملك في نصيحةٍ. فدخل الآذن على الملك في وقته؛ وقال: بالباب رجلٌ من البراهمة يقال له بيدبا، ذكر أن معه للملك نصيحة. فأذن له؛ فدخل ووقف بين يديه وكفر وسجد له واستوى قائماً وسكت.

وفكر دبشليم في سكوته؛ وقال: إن هذا لم يقصدنا إلا لأمرين: إما لالتماس شيءٍ منا يصلح به حاله، وإما لأمر لحقه فلم تكن له به طاقةٌ. ثم قال: إن كان للملوك فضلٌ في مملكتها فإن للحكماء فضلاً في حكمتها أعظم: لأن الحكماء أغنياء عن الملوك بالعلم وليس الملوك أغنياء عن الحكماء بالمال. وقد وجدت العلم والحيا إلفين متآلفين لا يفترقان: متى فقد أحدهما لم يوجد الآخر؛ كالمتصافيين إن عدم منهما أحد لم يطب صاحبه نفساً بالبقاء تأسفاً عليه. ومن لم يستحي من الحكماء ويكرمهم، ويعرف فضلهم على غيرهم، ويصنهم عن المواقف الواهنة، وينزههم عن المواطن الرذلة كان ممن حرم عقله، وخسر دنياه، وظلم الحكماء حقوقهم، وعد من الجهال. ثم رفع رأسه إلى بيدبا؛ وقال له: نظرت إليك يا بيدبا ساكتاً لا تعرض حاجتك، ولا تذكر بغيتك، فقلت: إن الذي أسكته هيبةٌ ساورته أو حيرةٌ أدركته؛ وتأملك عند ذلك من طول وقوفك، وقلت: لك يكن لبيدبا أن يطرقنا على غير عادةٍ عن سبب دخوله؛ فإن لم يكن من ضيمٍ ناله، كنت أولى من أخذ بيده وسارع في تشريفه، وتقدم في البلوغ إلى مراده وإعزازه؛ وإن كانت بغيته غرضاً من أغراض الدنيا أمرت بإرضائه من ذلك فيما أحب؛ وإن يكن من أمر الملك، ومما لا ينبغي أن يبذلوه من أنفسهم ولا ينقادوا إليه نظرت في قدر عقوبته؛ على أن مثله لم يكن ليجترئ على إدخال نفسه في باب مسألة الملوك؛ وإن كان شيئاً من أمور الرعية يقصد فيه أني أصرف عنايتي إليهم، نظرت ما هو؛ فإن الحكماء لا يشيرون إلا بالخير، والجهال يشيرون بضده. وأنا قد فسحت لك في الكلام. فلما سمع بيدبا ذلك من الملك أفرخ روعه ؛ وسرى عنه ما كان وقع في نفسه من خوفه وكفر له وسجد؛ ثم قام بين يديه وقال: أول ما أقول لك أسأل الله تعالى بقاء الملك على الأبد، ودوام ملكه على الأمد: لأن الملك قد منحني في مقامي هذا محلاً جعله شرفاً لي على جميع من بعدي من العلماء؛ وذكراً باقياً على الدهر عند الحكماء. ثم أقبل على الملك بوجهه، مستبشراً به فرحاً بما بدا له منه، وقال: قد عطف الملك علي بكرمه وإحسانه. والأمر الذي دعاني إلى الدخول على الملك، وحملني على المخاطرة لكلامه، والإقدام عليه، نصيحةٌ اختصصته بها دون غيره. وسيعلم من يتصل به ذلك أني لم أقصر عن غايةٍ فيما يجب للمولى على الحكماء. فإن فسح في كلامي ووعاه عني، فهو حقيق بذلك وما يراه؛ وإن هو ألقاه، فقد بلغت ما يلزمني وخرجت من لوم يلحقني.

قال الملك بيدبا تكلم كيف شئت: فإنني مصغٍ إليك، ومقبل عليك، وسامع منك، حتى أستفرغ ما عندك إلى آخره، وأجازيك على ذلك بما أنت أهله. قال بيدبا: إني وجدت الأمور التي اختص بها الإنسان من بين سائر الحيوانات أربعة أشياء، وهي جماع ما في العالم، وهي الحكمة والعفة والعقل والعدل. والعلم والأدب والروية داخلةٌ في باب الحكمة. والحلم والصبر والوقار داخلةٌ في باب العقل. والحياء والكرم والصيانة والأنفة داخلةٌ في باب العفة. والصدق والإحسان والمراقبة وحسن الخلق داخلةٌ في باب العدل. وهذه هي المحاسن، وأضدادها هي المساوئ. فمتى كملت هذه في واحدٍ لم تخرجه الزيادة في نعمةٍ إلى سوء الحظ من دنياه ولا إلى نقصٍ في عقباه، ولم يتأسف على ما لم يعن التوفيق ببقائه، ولم يحزنه ما تجري به المقادير في ملكه، ولك يدهش عند مكروهٍ. فالحكمة كنزٌ لا يفنى على إنفاقٍ، وذخيرةٌ لا يضرب لها بالإملاق ، وحلة لا تخلق جدها، ولذةٌ لا تنصرم مدتها. ولئن كنت عند مقامي بين يدي الملك أمسكت عن ابتدائه بالكلام، وإن ذلك لم يكن مني إلا لهيبته والإجلال له. ولعمري إن الملوك لأهلٌ أن يهابوا؛ لا سيما من هو في المنزلة التي جل فيها الملك عن منازل الملوك قبله. وقد قالت العلماء: الزم السكوت؛ فإن فيه سلامةً؛ وتجنب الكلام الفارغ؛ فإن عاقبته الندامة. وحكي أن أربعةً من العلماء ضمهم مجلس الملك، فقال لهم: ليتكلم كلٌ بكلام يكون أصلاً للأدب. فقال أحدهم: أفضل خلة العلم السكوت. وقال الثاني: إن من انفع الأشياء للإنسان أن يعرف قدر منزلته من عقله. وقال الثالث: أنفع الأشياء للإنسان ألا يتكلم بما لا يعنيه. وقال الرابع: أروح الأمور على الإنسان التسليم للمقادير. واجتمع في بعض الزمان ملوك الأقاليم من الصين والهند وفارس والروم؛ وقالوا ينبغي أن يتكلم كل واحدٍ منا بكلمة تدون عنه على غابر الدهر. فقال ملك الصين: أنا على ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت. وقال ملك الهند: عجبت لمن يتكلم بالكلمة فإن كانت له لم تنفعه، وإن كانت عليه أوبقته . وقال ملك فارس: أنا إذا تكلمت بالكلمة ملكتني، وإذا لم أتكلم بها ملكتها. وقال ملك الروم: ما ندمت على ما لم أتكلم به قط، ولقد ندمت على ما تكلمت به كثيراً. والسكوت عند الملوك أحسن من الهذر الذي لا يرجع منه إلى نفع. وأفضل ما استظل به الإنسان لسانه. غير أن الملك، أطال الله مدته، لما فسح لي في الكلام وأوسع لي فيه؛ كان أولى ما أبدأ به من الأمور التي هي غرضي أن يكون ثمرة ذلك له دوني؛ وأن اختصه بالفائدة قبلي. على أن العقبى هي ما أقصد في كلامي له؛ وإنما نفعه وشرفه راجعٌ إليه؛ وأكون أنا قد قضيت فرضاً وجب علي فأقول: أيها الملك إنك في منازل آبائك وأجدادك من الجبابرة الذين أسسوا الملك قبلك، وشيدوه دونك، وبنوا القلاع والحصون، ومهدوا البلاد، وقادوا الجيوش؛ واستجاشوا العدة ، وطالت لم المدة؛ واستكثروا من السلاح والكراع؛ وعاشوا الدهور، في الغبطة والسرور؛ فلم يمنعهم ذلك من اكتساب جميل الذكر، ولا قطعهم عن اغتنام الشكر؛ ولا استعمال الإحسان إلى من خولوه، والإرفاق بمن ولوه، وحسن السيرة فيما تقلدوه؛ مع عظم ما كانوا فيه من غرة الملك، وسكرة الاقتدار. وإنك أيها الملك السعيد جدة، الطالع كوكب سعده، قد ورثت أرضهم وديارهم وأموالهم ومنازلهم التي كانت عدتهم؛ فأقمت فيما خولت من الملك وورثت من الأموال والجنود؛ فلم تقم في ذلك بحق ما يجب عليك؛ بل طغيت وبغيت وعتوت وعلوت على الرعية، وأسأت السيرة، وعظمت منك البلية. وكان الأولى والاشبه بك أن تسلك سبيل أسلافك، وتتبع آثار الملوك قبلك، وتقفو محاسن ما أبقوه لك، وتقلع عما عاره لازم لك، وشينه واقع بك؛ تحسن النظر برعيتك، وتسن لهم سنن الخير الذي يبقى بعدك ضره، ويعقبك الجميل فخره؛ ويكون ذلك أبقى على السلامة وأدوم على الاستقامة. فإن الجاهل المغتر من استعمل في أموره البطر والأمنية، والحازم اللبيب من ساس الملك بالمداراة والرفق؛ فانظر أيها الملك ما ألقيت إليك، ولا يثقلن ذلك عليك: فلم أتكلم بهذا ابتغاء عرضٍ تجازيني به، ولا التماس معروفٍ تكافئني به؛ ولكني أتيتك ناصحاً مشفقاً عليك.

فلما فرغ منه بيدبا من مقالته، وقضى مناصحته، أوغر صدر الملك فأغلظ له في الجواب استصغاراً لأمره؛ وقال: لقد تكلمت بكلامٍ ما كنت أظن أحداً من أهل مملكتي يستقبلني بمثله، ولا يقدم على ما أقدمت عليه. فكيف أنت مع صغر شأنك، وضعف منتك وعجز قوتك؟ ولقد أكثرت إعجابي من إقدامك علي، وتسلطك بلسانك فيما جاوزت فيه حدك. وما أجد شيئاً في تأديب غيرك أبلغ من التنكيل بك. فذلك عبرةٌ وموعظةٌ لكن عساه أن يبلغ ويروم ما رمت أنت من الملوك إذا أوسعوا لهم في مجالسهم. ثم أمر به أن يقتل ويصلب. فلما مضوا به فيما أمر، فكر فيما أمر به فأحجم عنه، ثم أمر بحبسه وتقييده. فلما حبس أنفذ في طلب تلاميذه ومن كان يجتمع إليه فهربوا في البلاد واعتصموا بجزائر البحار؛ فمكث بيدبا في محبسه أياماً لا يسأل الملك عنه، ولا يلتفت إليه؛ ولا يجسر أحدٌ أن يذكره عنده؛ حتى إذا كان ليلةٌ من الليالي سهد الملك سهداً شديداً ؛ فطال سهده، ومد إلى الفلك بصره؛ وتفكر في تفلك الفلك وحركات الكواكب، فأغرق الفكر فيه؛ فسلك به إلى استنباط شيءٍ عرض له من أمور الفلك، والمسألة عنه. فذكر عند ذلك بيدبا، وتفكر فيما كلمه به؛ فأرعوى لذلك. وقال في نفسه: لقد أسأت فيما صنعت بهذا الفيلسوف، وضيعت واجب حقه؛ وحملني على ذلك سرعة الغضب. وقد قالت العلماء: أربعةٌ لا ينبغي أن تكون في الملوك: الغضب فإنه أجد الأشياء مقتاً؛ والبخل فإن صاحبه ليس بمعذورٍ مع ذات يده؛ والكذب فإنه ليس لأحدٍ أن يجاوره؛ والعنف في المحاورة فإن السفه ليس من شأنها. وإني أتي إلى رجل نصح لي، ولم يكن مبلغاً؛ فعاملته بضد ما يستحق، وكافأته بخلاف ما يستوجب. وما كان هذا جزاءه مني؛ بل كان الواجب أن أسمع كلامه، وأنقاد لما يشير به. ثم أنفذ في ساعته من يأتيه به. فلما مثل بين يديه قال له: يا بيدبا ألست الذي قصدت إلى تقصير همتي، وعجزت رأيي في سيرتي بما تكلمت به آنفاً؟ قال له بيدبا: أيها الملك الناصح الشفيق، والصادق الرفيق، إنما نبأتك بما فيه صلاحٌ لك ولرعيتك، ودوام ملكك لك، قال له الملك: يا بيدبا أعد علي كلامك كله، ولا تدع منه حرفاً إلا جئت به. فجعل بيدبا ينثر كلامه، والملك مصغٍ إليه. وجعل دبشليم كلما سمع منه شيئاً ينكت على الأرض بشيءٍ كان في يده. ثم رفع طرفه إلى بيدبا، وأمره بالجلوس. وقال له: يا بيدبا، إني قد استعذبت كلامك وحسن موقعه من قلبي. وأنا ناظر في الذي أشرت به، وعامل بما أمرت. ثم أمر بقيوده فحلت. وألقى عليه من لباسه، وتلقاه بالقبول. فقال بيدبا: يا أيها الملك، إن في دون ما كلمتك به نهيةً لمثلك. قال: صدقت أيها الحكيم الفاضل. وقد وليتك من مجلسي هذا إلى جميع أقاصي مملكتي. فقال له: أيها الملك أعفني من هذا الأمر: فإني غير مضطلعٍ بتقويمه إلا بك. فأعفاه من ذلك. فلما انصرف، علم أن الذي فعله ليس برأي، فبث فرده. وقال: إني فكرت في إعفائك مما عرضته عليك فوجدته لا يقوم إلا بك، ولا ينهض به غيرك، ولا يضطلع به سواك. فلا تخالفني فيه. فأجابه بيدبا إلى ذلك.

وكان عادة ملوك ذلك الزمان إذا استوزروا وزيراً أن يعقدوا على رأسه تاجاً، ويركب في أهل المملكة، ويطاف به في المدينة. فأمر الملك أن يفعل ببيدبا ذلك. فوضع التاج على رأسه، وركب المدينة ورجع فجلس بمجلس العدل والإنصاف: يأخذ للدني من الشريف، ويساوي بين القوي والضعيف؛ ورد المظالم، ووضع سنن العدل، وأكثر من العطاء والبذل. واتصل الخبر بتلاميذه فجاءوه من كل مكان، فرحين بما جدد الله له من جديد رأي الملك في بيدبا؛ وشكروا الله تعالى على توفيق بيدبا في إزالة دبشليم عما كان عليه من سوء السيرة، واتخذوا ذلك اليوم عيداً يعيدون فيه فهو إلى اليوم عيدٌ عندهم في بلاد الهند.

فلما فرغ منه بيدبا من مقالته، وقضى مناصحته، أوغر صدر الملك فأغلظ له في الجواب استصغاراً لأمره؛ وقال: لقد تكلمت بكلامٍ ما كنت أظن أحداً من أهل مملكتي يستقبلني بمثله، ولا يقدم على ما أقدمت عليه. فكيف أنت مع صغر شأنك، وضعف منتك وعجز قوتك؟ ولقد أكثرت إعجابي من إقدامك علي، وتسلطك بلسانك فيما جاوزت فيه حدك. وما أجد شيئاً في تأديب غيرك أبلغ من التنكيل بك. فذلك عبرةٌ وموعظةٌ لكن عساه أن يبلغ ويروم ما رمت أنت من الملوك إذا أوسعوا لهم في مجالسهم. ثم أمر به أن يقتل ويصلب. فلما مضوا به فيما أمر، فكر فيما أمر به فأحجم عنه، ثم أمر بحبسه وتقييده. فلما حبس أنفذ في طلب تلاميذه ومن كان يجتمع إليه فهربوا في البلاد واعتصموا بجزائر البحار؛ فمكث بيدبا في محبسه أياماً لا يسأل الملك عنه، ولا يلتفت إليه؛ ولا يجسر أحدٌ أن يذكره عنده؛ حتى إذا كان ليلةٌ من الليالي سهد الملك سهداً شديداً ؛ فطال سهده، ومد إلى الفلك بصره؛ وتفكر في تفلك الفلك وحركات الكواكب، فأغرق الفكر فيه؛ فسلك به إلى استنباط شيءٍ عرض له من أمور الفلك، والمسألة عنه. فذكر عند ذلك بيدبا، وتفكر فيما كلمه به؛ فأرعوى لذلك. وقال في نفسه: لقد أسأت فيما صنعت بهذا الفيلسوف، وضيعت واجب حقه؛ وحملني على ذلك سرعة الغضب. وقد قالت العلماء: أربعةٌ لا ينبغي أن تكون في الملوك: الغضب فإنه أجد الأشياء مقتاً؛ والبخل فإن صاحبه ليس بمعذورٍ مع ذات يده؛ والكذب فإنه ليس لأحدٍ أن يجاوره؛ والعنف في المحاورة فإن السفه ليس من شأنها. وإني أتي إلى رجل نصح لي، ولم يكن مبلغاً؛ فعاملته بضد ما يستحق، وكافأته بخلاف ما يستوجب. وما كان هذا جزاءه مني؛ بل كان الواجب أن أسمع كلامه، وأنقاد لما يشير به. ثم أنفذ في ساعته من يأتيه به. فلما مثل بين يديه قال له: يا بيدبا ألست الذي قصدت إلى تقصير همتي، وعجزت رأيي في سيرتي بما تكلمت به آنفاً؟ قال له بيدبا: أيها الملك الناصح الشفيق، والصادق الرفيق، إنما نبأتك بما فيه صلاحٌ لك ولرعيتك، ودوام ملكك لك، قال له الملك: يا بيدبا أعد علي كلامك كله، ولا تدع منه حرفاً إلا جئت به. فجعل بيدبا ينثر كلامه، والملك مصغٍ إليه. وجعل دبشليم كلما سمع منه شيئاً ينكت على الأرض بشيءٍ كان في يده. ثم رفع طرفه إلى بيدبا، وأمره بالجلوس. وقال له: يا بيدبا، إني قد استعذبت كلامك وحسن موقعه من قلبي. وأنا ناظر في الذي أشرت به، وعامل بما أمرت. ثم أمر بقيوده فحلت. وألقى عليه من لباسه، وتلقاه بالقبول. فقال بيدبا: يا أيها الملك، إن في دون ما كلمتك به نهيةً لمثلك. قال: صدقت أيها الحكيم الفاضل. وقد وليتك من مجلسي هذا إلى جميع أقاصي مملكتي. فقال له: أيها الملك أعفني من هذا الأمر: فإني غير مضطلعٍ بتقويمه إلا بك. فأعفاه من ذلك. فلما انصرف، علم أن الذي فعله ليس برأي، فبث فرده. وقال: إني فكرت في إعفائك مما عرضته عليك فوجدته لا يقوم إلا بك، ولا ينهض به غيرك، ولا يضطلع به سواك. فلا تخالفني فيه. فأجابه بيدبا إلى ذلك.

وكان عادة ملوك ذلك الزمان إذا استوزروا وزيراً أن يعقدوا على رأسه تاجاً، ويركب في أهل المملكة، ويطاف به في المدينة. فأمر الملك أن يفعل ببيدبا ذلك. فوضع التاج على رأسه، وركب المدينة ورجع فجلس بمجلس العدل والإنصاف: يأخذ للدني من الشريف، ويساوي بين القوي والضعيف؛ ورد المظالم، ووضع سنن العدل، وأكثر من العطاء والبذل. واتصل الخبر بتلاميذه فجاءوه من كل مكان، فرحين بما جدد الله له من جديد رأي الملك في بيدبا؛ وشكروا الله تعالى على توفيق بيدبا في إزالة دبشليم عما كان عليه من سوء السيرة، واتخذوا ذلك اليوم عيداً يعيدون فيه فهو إلى اليوم عيدٌ عندهم في بلاد الهند.

ثم أن بيدبا لما أخلى فكره من اشتغاله بدبشليم، تفرغ لوضع كتب السياسة ونشط لها، فعمل كتباً كثيرةً، فيها دقائق الحيل. ومضى الملك على ما رسم له بيدبا من حسن السيرة والعدل في الرعية. فرغبت إليه الملوك الذين كانوا في نواحيه، وانقادت له الأمور على استوائها. وفرحت به رعيته وأهل مملكته. ثم أن بيدبا جمع تلاميذه فأحسن صلتهم، ووعدهم وعداً جميلاً. وقال لهم: لست أشك أنه وقع في نفوسكم وقت دخولي على الملك أن قلتم: إن بيدبا قد ضاعت حكمته، وبطلت فكرته: إذ عزم على الدخول على هذا الجبار الطاغي. فقد علمتم نتيجة رأيي وصحة فكري. وإني لم آته جهلاً به: لأني كنت أسمع من الحكماء قبلي تقول: إن الملوك لها سورةٌ كسورة الشراب: فالملوك لا تفيق من السورة إلا بمواعظ العلماء وأدب الحكماء. والواجب على الملوك أن يتعظوا بمواعظ العلماء. والواجب على العلماء تقويم الملوك بألسنتها، وتأديبها بحكمتها، وإظهار الحجة البينة اللازمة لهم: ليرتدعوا عما هم عليه من الاعوجاج والخروج عن العدل. فوجدت ما قالت العلماء فرضاً واجباً على الحكماء لملوكهم ليوقظوهم من رقدتهم؛ كالطبيب الذي يجب عليه في صناعته حفظ الأجساد على صحتها أو ردها إلى الصحة. فكرهت أن يموت أو أموت وما يبقى على الأرض غلا من يقول: إنه كان بيدبا الفيلسوف في زمان دبشليم الطاغي فلم يرده عما كان عليه. فإن قال قائل: إنه لم يمكنه كلامه خوفاً على نفسه، قالوا: كان الهرب منه ومن جواره أولى به؛ والانزعاج عن الوطن شديدٌ؛ فرأيت أن أجود بحياتي؛ فأكون قد أتيت فيما بيني وبين الحكماء بعدي عذراً. فحملتها على التغرير أو الظفر بما أريده. وكان من ذلك ما أنتم معاينوه: فإنه يقال في بعض الأمثال: إن لم يبلغ أحد مرتبة إلا بإحدى ثلاثٍ: إما بمشقةٍ تناله في نفسه، وإما بوضعيةٍ في ماله أو وكسٍ في دينه . ومن لم يركب الأهوال لم ينل الرغائب. وإن الملك دبشليم قد بسط لساني في أن أضع كتاباً فيه ضروب الحكمة. فليضع كل واحد منكم شيئاً في أي فن شاء؛ وليعرضه علي لأنظر مقدار عقله، وأين بلغ من الحكمة فهمه. قالوا: أيها الحكيم الفاضل، واللبيب العاقل، والذي وهب لك ما منحك من الحكمة والعقل والأدب والفضيلة، ما خطر هذا بقلوبنا ساعةً قط. وأنت رئيسنا وفاضلنا، وبك شرفنا، وعلى يدك انتعاشنا. ولكن سنجهد أنفسنا فيما أمرت. ومكث الملك على ذلك من حسن السيرة زماناً يتولى ذلك له بيدبا ويقوم به.

ثم إن الملك دبشليم لما استقر له الملك، وسقط عنه النظر في أمور الأعداء بما قد كفاه ذلك بيدبا، صرف همته إلى النظر في الكتب التي وضعتها فلاسفة الهند لآبائه وأجداده؛ فوقع في نفسه أن يكون له أيضاً كتابٌ مشروحٌ ينسب إليه وتذكر فيه أيامه كما ذكر آباؤه وأجداده من قبله. فلما عزم على ذلك، علم أنه لا يقوم ذلك إلا ببيدبا: فدعاه وخلا به؛ وقال له: يا بيدبا، إنك حكيم الهند وفيلسوفها. وإني فكرت ونظرت في خزائن الحكمة التي كانت للملوك قبلي؛ فلم أر فيهم أحداً إلا وضع كتاباً يذكر فيه أيامه وسيرته، وينبئ عن أدبه وأهل مملكته؛ فمنه ما وضعته الملوك لأنفسها، وذلك لفضل حكمةٍ فيها؛ ومنها ما وضعته حكماؤها. وأخاف أن يلحقني ما لحق أولئك مما لا حيلة لي فيه، ولا يوجد في خزائني كتابٌ أذكر به من بعدي، وأنسب إليه كما ذكر من كان قبلي بكتبهم. وقد أحببت أن تضع لي كتاباً بليغاً تستفرغ فيه عقلك يكون ظاهره سياسة العامة وتأديبها، وباطنه أخلاق الملوك وسياستها للرعية على طاعة الملك وخدمته؛ فيسقط بذلك عني وعنهم كثيرٌ مما نحتاج إليه في معاناة الملك. وأريد أن يبقى لي هذا الكتاب من بعدي ذكراً على غابر الدهور. فلما سمع بيدبا كلامه خر له ساجداً، ورفع رأسه وقال: أيها الملك السعيد جده، علا نجمك، وغاب نحسك، ودامت أيامك؛ إن الذي قد طبع عليه الملك من جودة القريحة ووفور العقل حركه لعالي الأمور؛ وسمت به نفسه وهمته إلى أشرف المراتب منزلةً، وأبعدها غايةً؛ وأدام الله سعادة الملك وأعانه على ما عزم من ذلك، وأعانني على بلوغ مراده. فليأمر الملك بما شاء من ذلك: فإن صائرٌ إلى غرضه، مجتهداٌ فيه برأيي. قال له الملك: يا بيدبا لم تزل موصوفاً بحسن الرأي وطاعة الملوك في أمورهم. وقد اختبرت منك ذلك، واخترت أن تضع هذا الكتاب، وتعمل فيه فكرك، وتجهد فيه نفسك، بغاية ما تجد إليه السبيل. وليكن مشتملاً على الجد والهزل واللهو والحكمة والفلسفة. فكفر له بيدبا وسجد، وقال: قد أجبت الملك أدام الله أيامه إلى ما أمرني به، وجعلت بيني وبينه أجلاً. قال: وكم هو الأجل؟ قال: سنةٌ. قال: قد أجلتك؛ وأمر له بجائزةٍ سنيةٍ تعينه على عمل الكتاب فبقى بيدبا مفكراً في الأخذ فيه، وفي أي صورةٍ يبتدي بها فيه وفي وضعه.

ثم إن بيدبا جمع تلاميذه وقال لهم: إن الملك قد ندبني لأمر فيه فخري وفخركم وفخر بلادكم، وقد جمعتكم لهذا الأمر. ثم وصف لهم ما سأل الملك من أمر الكتاب، والغرض الذي قصد فيه، فلم يقع لهم الفكر فيه فلما لم يجد عندهم ما يريده فكر بفضل حكمته، وعلم أن ذلك أمرٌ إنما يتم باستفراغ العقل وإعمال الفكر؛ وقال: أرى السفينة لا تجري في البحر إلا بالملاحين: لأنهم يعدلونها؛ وإنما تسلك اللجة بمدبرها الذي تفرد بإمرتها ؛ ومتى شحنت بالركاب الكثيرين وكثر ملاحوها لم يؤمن عليه من الغرق. ولم يزل يفكر فيما يعمله في باب الكتاب حتى وضعه على الانفراد بنفسه، مع رجلٍ من تلاميذه كان يثق به؛ فخلا به منفرداً معه، بعد أن أعد الورق الذي كانت تكتب فيه الهند شيئاً، ومن القوت ما يقوم به وبتلميذه تلك المدة. وجلسا في مقصورةٍ، وردا عليهما الباب ثم بدأ في نظم الكتاب وتصنيفه؛ ولم يزل هو يملي وتلميذه يكتب، ويرجع هو فيه؛ حتى استقر الكتاب على غاية الإتقان والإحكام. ورتب فيه أربعة عشر باباً؛ كل بابٍ منها قائم بنفسه. وفي كل باب مسألةٌ والجواب عنها؛ ليكون لمن نظر فيه حظٌ من الهداية. وضمن تلك الأبواب كتاباً واحداً؛ وسماه كتاب كليلة ودمنة. ثم جعل كلامه على ألسن البهائم والسباع والطير: ليكون ظاهره لهواً للخواص والعوام، وباطنه رياضةً لعقول الخاصة. وضمنه أيضاً ما يحتاج إليه الإنسان من سياسة نفسه وأهله وخاصته، وجميع ما يحتاج إليه من أمير دينه ودنياه، وأخرته وأولاه؛ ويحضه على حسن طاعته للملوك ويجنبه ما تكون مجانبته خيراً له. ثم جعله باطناً وظاهراً كرسم سائر الكتب التي برسم الحكمة: فصار الحيوان لهواً، وما ينطق به حكمةً وأدباً. فلما ابتدأ بيدبا بذلك جعل أول الكتاب وصف الصديق، وكيف يكون الصديقان، وكيف تقطع المودة الثابتة بينهما بحيلة ذي النميمة. وأمر تلميذه أن يكتب على لسان بيدبا مثل ما كان الملك شرطه في أن جعله لهواً وحكمةً. فذكر بيدبا أن الحكمة متى دخلها كلام النقلة أفسدها وجهلت حكمتها. فلم يزل هو وتلميذه يعملان الفكر فيما سأله الملك، حتى فتق لهما العقل أن يكون كلامهما على لسان بهيمتين. فوقع لهما موضع اللهو والهزل بكلام البهائم. وكانت الحكمة ما نطقا به. فأصغت الحكماء إلى حكمه وتركوا البهائم واللهو، وعلموا أنها السبب في الذي وضع لهم. ومالت إليه الجهال عجباً من محاورة بهيمتين، ولم يشكوا في ذلك؛ واتخذوه لهواً، وتركوا معنى الكلام أن يفهموه، ولم يعلموا الغرض الذي وضع له؛ لأن الفيلسوف إنما كان غرضه في الباب الأول أن يخبر عن تواصل الإخوان كيف تتأكد المودة بينهم على التحفظ من أهل السعاية والتحرز ممن يوقع العداوة بين المتحابين: ليجر بذلك نفعاً إلى نفسه. فلم يزل بيدبا وتلميذه في المقصورة، حتى استتما عمل الكتاب في مدة سنةٍ. فلما تم الحول أنفذ إليه الملك أن قد جاء الوعد فماذا صنعت؟ فأنفذ إليه بيدبا: إني على ما وعدت الملك. فليأمرني بحمله، بعد أن يجمع أهل المملكة لتكون قراءتي هذا الكتاب بحضرتهم، فلما رجع الرسول إلى الملك سر بذلك، ووعده يوماً يجمع فيه أهل المملكة. ثم نادى في أقاصي بلاد الهند ليحضروا قراءة الكتاب. فلما كان ذلك اليوم، أمر الملك أن ينصب لبيدبا سريرٌ مثل سريره، كراسي لأبناء الملوك والعلماء. وأنفذ فأحضره. فلما جاءه الرسول قام فلبس الثياب التي كان يلبسا إذا دخل على الملوك وهي المسوح السود، وحمل الكتاب تلميذه. فلما دخل على الملك وثب الخلائق بأجمعهم، وقام الملك شاكراً. فلما قرب من الملك كفر له وسجد، ولم يرفع رأسه. فقال له الملك: يا بيدبا ارفع رأسك، فإن هذا يوم هناءةٍ وفرحٍ وسرورٍ، وأمره أن يجلس. فحين جلس لقراءة الكتاب، سأله عن معنى كل باب من أبوابه، وإلى أي شيءٍ قصد فيه. فأخبره بغرضه فيه، وفي كل باب. فازداد الملك منه تعجباً وسروراً. فقال له: يا بيدبا ما عدوت الذي في نفسي؛ وهذا الذي كنت أطلب؛ فالطلب ما شئت وتحكم. فدعا له بيدبا بالسعادة وطول الجد. وقال: أيها الملك أما المال فلا حاجة لي فيه، وأما الكسوة فلا أختار على لباسي ذا شيئاً؛ ولست أخلي الملك من حاجةٍ. قال الملك: يا بيدبا ما حاجتك؟ فكل حاجةٍ لك قبلنا مقضيةٌ. قال: يأمر الملك أن يدون كتابي هذا كما دون آباؤه وأجداده كتبهم، ويأمر بالمحافظة عليه: فإن أخاف أن يخرج من بلاد الهند، فيتناوله أهل فارس إذا علموا به؛ فالملك يأمر ألا يخرج من بيت الحكمة. ثم دعا الملك بتلاميذه وأحسن لهم الجوائز. ثم إنه لما ملك كسرى أنوشروان وكان مستأثراً بالكتب والعلم والأدب والنظر في أخبار الأوائل ويقع له خبر الكتاب؛ فلم يقر قراره حتى بعث بروزيه الطبيب وتلطف حتى أخرجه من بلاد الهند فأقره في خزائن فارس.اف أن يخرج من بلاد الهند، فيتناوله أهل فارس إذا علموا به؛ فالملك يأمر ألا يخرج من بيت الحكمة. ثم دعا الملك بتلاميذه وأحسن لهم الجوائز. ثم إنه لما ملك كسرى أنوشروان وكان مستأثراً بالكتب والعلم والأدب والنظر في أخبار الأوائل ويقع له خبر الكتاب؛ فلم يقر قراره حتى بعث بروزيه الطبيب وتلطف حتى أخرجه من بلاد الهند فأقره في خزائن فارس.